عن السيد أحمد عقيل

Ahmed Ogeil
نادي السينيورز في لندن ينظم ندوة عن قصة قصيدة صه يا كنار أنشــودة الوطن الخالدة

في أمسية الجمعة الموافق 18 من شهر نوفمبر 2022م نظم نادي السينيورز في لندن ندوة عن قصة قصيدة صه يا كنار أنشــودة الوطن الخالدة وشاعرها الصاغ محمود أبوبكر، وقد قد أدارت الندوة السيده نوال جنيدابي المسؤولة عن نادي السينيورز وقد تحدث في الندوة المؤرخ
سليمان صالح ضرار عن قصة قصيدة صه يا كنار أنشــودة الوطن الخالدة وشاعرها الصاغ محمود أبوبكر.
الذي بدأ حديثا قائلا: إن كثيراً ما يخلط بعض الناس بين قصيدة (يا كناراً قد تغني في القفار) للشاعر المؤرخ ضرار صالح ضرار) وقصيدة صه يا كنار للشاعر الصاغ محمود أبوبكر (الملقب بالنسر) هو من أسرة من أعيان قبيلة الحلنقة بكسلا، والده أبوبكر حسن كان ضابطاً (يوزباشي) في قوة دفاع السودان، ولد محمود أبوبكر في مدينة بور بجنوب السودان عام 1908م ودرس في عطبرة والأبيض وحلفا، وأكمل تعليمه بكلية غردون متخرجاً بامتياز في قسم الكتبة ، عمل سكرتيراً لمدير قسم عموم إدارة السكة حديد وهي وظيفة كبيرة في ذلك الوقت، ثم التحق بالجيش عام 1937 وتخرج برتبة ملازم ثانِ واشترك متطوعاً في الحرب العالمية الثانية في واحة الكفرة الليبية، وعند استقالته من السكة الحديد للتطوع في قوة دفاع السودان، وإثر مزاح مع صديقه المحامي ( الأستاذ عقيل أحمد عقيل) كان الرد هو هذه القصيدة الرائعة (صه يا كنار) والتي أصبحت فيما بعد شعاراً لمؤتمر الخريجين بعد أن أيقظت الضمائر الحرة وأزكت نار الوطنية حيث لحنها الموسيقار (إسماعيل عبد المعين) بعد أن قابل شاعرها صدفة في القطار في منتصف الأربعينات.
في قلب أحداث الوطن العظيم وفي سنوات الثلاثينيات ظهرت مجموعة من الشباب المتوثب لخدمة الوطن وقضيته فبرغم منع العمل السياسي لموظفي الحكومة إلا أن محمود أبوبكر كان واحداً من أكثر المنادين باستقلال البلاد من المستعمر.
عبَّر الشاعر محمود أبوبكر عن لواعج قلبه بشعر ما زال خالداً وكلمات ستظل ترن في الآذان لوقعها وعمق معانيها مع نفاذها مباشرة إلى المتلقي.
بعد تخرجه من كلية غردون بالخرطوم عمل مترجماً وسكرتيراً للمدير الإنجليزي كما ذكرنا سابقاً،  بمصلحة السكة الحديد، ثم كان اختياره العمل بالجيش ليلتحق بالدفعة الثالثة بالمدرسة الحربية فنال شهادة (براءة الحاكم العام). وجاء هذا التوجه بدافع وطني فقد وعدت بريطانيا أن تمنح حق تقرير المصير للدول التي تقاتل معها دول المحور جماعة هتلر وموسليني، فكان أن ترك وظيفته المرموقة في السكة الحديد ليساهم في  منح بريطانيا حق تقرير المصير للسودان. وبهذه المناسبة فقد كانت له علاقة وطيدة بالراحل الأستاذ عقيل أحمد عقيل وكانا لا يفترقان وشاءت الظروف أن يسافر الأستاذ عقيل للدراسة في مصر وعندما عاد للسودان كان أول شيء قام به هو البحث عن صديقه الشاعر محمود وللصدفة كان الشاعر محمود يعلم بذلك فذهب إليه واستقبله في محطة القطار، وكانت الفترة التي قضاها الأستاذ عقيل في مصر قد غيرت ملامح عقيل ومحمود ولم يتعرف عقيل على الشاعر محمود فسأل محمود أين أجد محمود أبوبكر فأجابه محمود تعال معي وسوف أوصلك له، فذهبا لمكان احتفال خصص لإستقبال الأستاذ عقيل وكانت المفاجأة أن عقيل اكتشف أن الشخص الذي رافقه لمكان الإحتفال هو الشاعر الذي يبحث عنه فبهت من صدمة المفاجأة، وعلم من الشاعر محمود أنه استقال من السكة الحديد ليتطوع في قوة دفاع السودان تلبية لوعد بريطانيا بمنح السودان حق تقرير المصير: هنا أجابه الأستاذ عقيل ببيت من الشعر قائلاً
يا نسر دع عنك أوهاماً تجيء بها فإن ذلك محض إغراء وتكذيب (النسر هو لقب الشاعر محمود أبوبكر أما الكنار فهو لقب الأستاذ عقيل أحمد عقيل (الشيء الذي لا يعرفه الكثيرون) الذي قيلت فيه القصيدة التي قدمه فيها الشاعر بأن علاقته بعقيل أقوى من علاقته بشقيقه أحمد، ورد الشاعر على الأستاذ عقيل بأنه لو أوفى الإنجليز بوعدهم فبها وإن لم يوفوا نكون قد تعلمنا السلاح ونقاتل لنيل أستقلالنا بالسلاح.
عمل الشاعر محمود بالعديد من مواقع العمل الخاصة بالجندية فكان واحداً من أبرز ضباط قوة دفاع السودان في الحرب العالمية الثانية فخاض معارك عديدة على جبهة القتال الشرقية بكل من طبرق والكفرة الليبيتين وكان شقيقه أحمد يقاتل في الجبهة الشرقية في إرتريا وكانا يتراسلان بالشعر. وهناك عدد من الضباط والجنود الذين تطوعوا لقتال
الطليان والألمان ونذكر من الذين حاربوا في كرن اللواء محمد نصر عثمان الذي قالت فيه زوجة والده أغنية (طيارة جات بفوق) واللواء حسن بشير نصر الذي قيلت فيه قصيدة ( نمر كرن)، واللواء أحمد أبوبكر (وهو والد المرحوم طارق أحمد أبوبكر)، الذي كان قائداً للقوات الخاصة المكونة من قبائل البجا لمعرفتهم بجغرافية المنطقة، ثم قائدا للقيادة الشرقية في القضارف والفرقة الشرقية هي أول نواة قام عليها الجيش السوداني وقد أسسها أحمد حاج أغا، من قبيلة البني عامر.
ومن الجنود الذين تطوعوا في الشرق تكونت الفرقة الشرقية التي كان قوامها من قبيلتي البني عامر والحباب والذين جعلوا (الشوتال) السكين المعقوفة  شعاراً لفرقتهم، وقد أبلوا بلاءً حسناً في المعارك التي خاضوها ضد الطليان خاصة معركة كرن حتى أشادت بهم الفنانة عائشة الفلاتية
وغنت لهم أغنية (يجوا عائدين). وكانت الفرقة هي أول فرقة تصل توريت عند قيام التمرد فيها في أغسطس العام 1955، فحافظوا على وحدة السودان.
إن الاستقلال لم يأت به الساسة الذين أعلنوه من داخل البرلمان ولكنه جاء بجهود ودماء جنود مجهولين هؤلاء بعضاً منهم. ولم يقتصر دور الشاعر محمود على القتال فقد قام بترجمة المراجع الانجليزيه الى العربيه عند السودنه. كان الشاعر محمود متشبعاً بروح الوطنية هو وشقيقه أحمد فعندما كان والدهما يعمل في مدينة حلفا كان يأخذهما للأمير عثمان دقنه الذي كان يروي لهم قصص معاركه ضد الاستعمار مما أزكى فيهم الروح الوطنية.
لقد كان الشاعر محمود مثالا للضابط المؤمن بمهنته الحامل لروحه من أجل سمعة أهله أصحاب المروءة والشجاعة والإقدام والذين كان يرى أنه امتداد لهم في صفاته العليا والسامية.
وللشاعر ديوان شعر اسماه (أكواب بابل من ألسنة البلابل) وهو ديوان جمع فيه جزءا من شعره...
وظلت الفترة التي نشبت فيها الحرب من 1939م وحتى يونيو 1945م هي فترة عمل قتالي خاص به فتنقل ما بين الصحراء الليبية وساحل إفريقيا الشمالي ومالطا ثم السودان ليرتاح من عناء الحرب.
ولم يمض كثير من الوقت حتى دعاه داعي الواجب الوظيفي لمهمة قتالية أخرى باريتريا فارتحل طائعاً توجيهات رؤسائه حيث شارك مع شقيقه أحمد في تحرير إرتريا من الإستعمار الإيطالي.
كتب أثناء الحرب متذكراً الوطن وزوجته وأهله قصيدة تغنى بها الفنان أحمد المصطفى، (الزاهي في خدرو ما تألم) .. وأصبحت قصيدته (صه يا كنار) رمزاً وشعاراً لاستقلال السودان وأصبحت }مارسييز{ ونشيداً يفتتح به اليوم الدراسي بالمدارس ودور العلم لما فيه من وطنية صادقة واضحة المعاني ..
في العام 1971م وبأم درمان التي شهدت حياته كانت نهاية أيامه في الدنيا التي عاش فيها للخير والجمال تاركاً اسمه حتى الآن بين من خلدوا أعمالهم في وجدان الشعب والوطن المعطاء ..
رحم الله النسر محمود ابوبكر وجعل داره ومقامه الفردوس الأعلي.
غنى له الفنانون ابراهيم الكاشف .... وحسن عطيه .. واشهر قصائده المغناه (الزاهي في خدره ) التي تغنى بها الفنان الراحل احمد المصطفي وكذلك غنى له خضر بشير (ايه مولاي ايه) .. وعثمان حسين .. (صه ياكنار )   التي قام بتلحينها الموسيقار الكبير الراحل اسماعيل عبد المعين والتي تقول كلماتها وهنا بعض أبياتها :
صه يا كنار وضع يمينك في يدي
ودعِ المزاح لِذي الطلاقة والدد
صه غير مأمورٍ وهاتِ مدامعاً
كالأرجوانة وابكِ غير مصفدِ
ودِّع بدمعك من تحب فإنني
أنا إن دعوتك لن تعيش إلى غد
فإذا صُغِـرتَ فكن وضيئاً نيِّراَ
مثل اليراعة في الظلام الأسود
فإذا مشيت على الرماح إلى العلا
فعلى سويق قد مشيت مُقنَّد
وإذا مشيت على السيوف فمزقت
ساقيك، فاحبُ إلى رفيع السؤدد
فإذا وجدتَ من الفكاك بوادراً
فابذل حياتَكَ غـيرَ مغلولِ اليد
فإذا ادّخـرتَ إلى الصباح بسالةً
فاعلمْ بأن اليومَ أنسبُ من غـدِ
واسبقْ رفاقَكَ للقيود فإنني
آمنتُ أنْ لا حـرَّ غيرُ مُقيَّد
والله لي الليمون سقايتو علي طيارة جات بي فوق شايلة القنابل كوم جات تضرب الخرطوم ضربت فؤاد محروم
الله لي جاهل صغير وحمامة
يوم لبَّسو الكمامة
ودوهو خشم القربة
يا الله عودة سلامة للعاصمة
الله لي موسوليني بنوصيك الله لي دي عطرنا الغاشيك
الله لي هتلر يمين غاشيك كوس ليك زول يحميك
من السلاح راجيك في العاصمة
يا هتلر الألماني وموسليني الطلياني
لو تضرب السوداني تصبح ريال براني ما بسير هنا
طيارة جاتنا تحوم جات تضرب الخرطوم
ضربت حمار كلتوم ست اللبن
طيارة جات من بدري
شايلة القنابل تجري
خطرية بريطانيا
بريطانيا دولة قوية
بحرية سما
طيارة جاتنا تحوم
شايلة القنابل كوم
يجو عايدين إن شا الله عايدين يا الله
قلبي انفطر ... دمعي انهمر
الليلة السفر ابقي قمره جوه القطر
ودعت الحبيب ...للسكة الحديد
الفرقك صعيب ماحضرت ليالي العيد
الشمال والشرق ... الجنوب والغرب
ما تسيبوا الحرب والسلام يعم الدرب
يجو عايدين ضباطنا المهندسين
يجو عايدين الفتحو كرن باينين
حسن بشيرنصر مدحته شقيقته زنوبه بهذه الأغنية
زينب بشير نصر (زينوبة ): هي بنت العمدة بشير نصر وزوجة دياب صالح المك،
(كشاف للجيوش مودعاه لي الله يسلم لي حسن من غارة ما ضلّ) و(أخوي موشح بالدموم ما هامو شيدرّاعتو تكشف للعمومو.. يا طلاينة لا تحوموا بي دربو المكسيم حسن ضربو) و(البشارة جات يا هيه سلّموا السلام للبيه) و(يا الماشي دوريه شاحده الله الكريم يسلم يعود ليّا) و(الله لي ديل أعلنوها الجيّة جيت لي أنا)
توفيت الشاعرة زينب بشير نصر في عام 1961،
وفي ختام الندوة طلب الحضور من المؤرخ سليمان ضرار بعد شكروه أن يحدثهم في الندوة القادمة عن قصة تاجوج. كما أثنى الحضور علي جهود السيده نوال جنيدابي التي تقوم بهذا العمل الثقافي والترفيهي الكبير للسينيورز.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سيرة ذاتية مختلفة عن الدكتورة مريم الصادق المهدي

سيرة ذاتية للاعلامية نيكول تنورى

الصاج لعمل الكسرة السودانية