سيرة ذاتية... المناضل صالح عبد القادر

صالح عبد القادر

١٨٩٥-١٩٦٨

عندما يذكر صالح عبد القادر المبارك، يذكر الناس ثورة عام ١٩٢٤، فهو أحد أبطالها ومجاهديها.

درس صالح عبد القادر ليكون مدرساً للغة العربية في كلية غردون ولكنه تمرد على الجبة والعمامة والقفطان، وخرج قبل أن يكمل دراسته ليعمـل كاتباً في مصلحة البرق والبريد .

مصلحة البريد والبرق، كانت ذاخـرة بـالأدبـاء والشعراء والمتمردين والثائرين، وصالح عبد القادر كان شاباً متمرداً تـواقاً للحرية والتجـديـد في الحياة.

نُقل إلى بورتسودان حيث اتصـل بـكـل المثقفين والمهتمين بالتغيير في الحياة من سودانيين ويونانيين وأرمن، وكان شاباً وسياً يحب الحياة والأحياء، ويتشوق للمعرفة ويهيم بالجمال، فكان ريحانة المجالس وفارسها

تعرف على المذاهب السياسية الجديدة وقرأ في الاشتراكية قبل أن يلتفت لها المثقفون في السودان، وكان له صديق يوناني أتاح له أن يقرأ كتاب رأس المال والبيان الاشتراكي

أثناء إقامة صالح عبد القادر في بورتسودان تعرف بالملحق التجاري الروسي الذي كان يعمل في جدة  وينشـد خمريات أبي نواس .

شعـره في تلك الفترة كـان خواطرياً وإن كان لا يخلو من نقد وهجاء للاستعمار .

تكون اللواء الأبيض وإنتـظـم صالح عبد القادر في اللواء الأبيض، وجند له الأنصـار وعقد الاجتماعات وراسـل الحادبين على الوطن، ورسم المواقع

كان معه عبيـد حاج الأمين، ومحجوب عثمـان وعرفات محمد عبد الله وصالح هو الذي كان يترجم البيانات والمنشورات ويصيغ النداءات

إتصل بعلي ملاسي الذي كان يعمل في البرق والبريد وتكونت أقوى شعبية للواء الأبيض في بورتسودان،و هي التي تولى قيادتها علي ملاسي، وحرك فيالقها في المظاهرات التي فاجأت الإستعمار في بورتسودان

كُشف أمر اللواء الأبيض، وقامت ثـورة عـام ١٩٢٤ وأصيب أبـطـالهـا وأعـدم بعضهم، وسجن بعضهم، وكان نصيب صالح عبد القادر السجن

في السجن لم لينكفئ صالح للأحزان، فنظم القصائد الوطنية الحارة الملتهبة، وإنكب على الدرس يقرأ ويتعلم، فأضاف إلى اللغة العربية والإنكليزية اللغة الإيطالية إلى معرفته، وترجم منها الشعر والقصص

خرج صالح من السجن، عاطلا مطارداً ،تنكر له الجميع ولم يجد إلا أن يعمل كاتباً في مجمع تجاري

لم ييأس صالح ،ولم يسكت، فبدأ يهدر وينشر قصائده الوطنية،ويكتب رباعياته فأبو العلاء المعري قد وجد نفسه في صالح عبد القادر،وصالح عبد القادر اكتشف نفسه في اللزوميات

في عام 1936م أثار المجتمع السوداني صالح عبد القادر بقصيدته التي نشرها بمناسبة الذكرى الألفيـة لأبي الطيب المتنبي ،وأصابت هذه القصيدة الكثيرين في مكامن الداء وكادت أن تقدمه مرة أخرى للسجن،لا سيما وقد كان تحت رقابة مشددة

مرت السنون وصالح المجاهد يصارع الحياة،وحـوله صبيـة وصبيات،حتى اندلعت الحرب العالمية الثانية،وصـالح كان من أوائل الذين وقفوا ضـد الفاشية والنازية ،وكره أن تسود ،فاستعين به في الإذاعة معه عبيد عبد النور وصديق فريد

إنتهت الحرب، وتحددت المواقع السياسية فانضم صالح عبد القادر للحركة الاستقلالية، ولم يجد طريقاً يسلكه غير ذلك وهذا الأمر يترك لمؤرخي السياسة السودانيةولكن ونحن نعالج حياة صالح عبد القادر يعنينا منه الأديب الشاعر دون أي قسمة أخرى من قسمات حياة صالح عبد القادر

عايش صالح عبد القادر جيل البنـا وعبد الله عبد الرحمن وعبد الله الكـردي والقرشي والبوشي، وسبق أحمد محمـد صـالـح ومكاوي يعقوب،وعبد الرحمن شوقي في الذيوع ، لأنه عالج مـوضوعـات السياسةوالوطنيةوكرس حياته لذلك

إن شعر صالح قد يلتقي في شعر الوطنية مع مدثر البوشي،وحسيب علي حسيب لكنه يختلف معهما في الأداء وفي التعبير

فصالح إتخذ من القضية الوطنية قضية نفس وقضية روح،لم ير في الحياة شيئاً غير الوطن لذلك هو العاشق للسودان،وعشقه قد غيره بالبغض والنفور منه ،لأنه يرى السودان هو الحب الأول،وأي مشاركة في السودان هي شرك وكفر

لم يكن عنصرياً ولم يكن قبلياً،لكنه كان سودانياً مخلصاً

لا يقبل الحل الأوسط في ذلك،فهو إن هجا تذكر من يهجوه وذكره أنه غير سوداني ذلك لخيبة أمل في ثورة عام ١٩٢٤م

الحياة القاسية التي عاشها صالح لم توقفه عن التجديد في الشعر وإن أوقفته عن التمعن والتأمل في قاموسه اللغوي،فهو قد قرأ المتنبي وأبا العلاء المعري والبحتري
وأبا تمام، وإكتفى بكتب التراث، لكنه لم يساير التطور الذي طرأ على الشعر العربي،فهو عندما يضيف في مدرسة جاءت بعد حافظ إبراهيم والكاظمي والزهاوي، وقد أعجب بالزهاوي، والزهاوي مهلهل النسج اللغوي،يهتم بالفكرة واللمحة ولا يهتم بجمال الأسلوب واللغة.

وصالح قد ارتفع عن هذه الدرجة،فتماسكت لغته وتجمعت أفكـاره لكنه أهمـل الظلال والهمس في القصيدة ما عدا الرباعيات التي هي روائع شعره،والتي تؤهله إلى أن نصنفه من الرواد

أغلب الشعراء السودانيين طرقوا الشعر السياسي،إلا أن صـالح عبد القادر هو الشاعر السوداني الوحيد الذي توفر على الشعر الوطني ووهب نفسه له،وهذا جانب جـدير بالدراسة الجادة

تفرع من هذا الاهتمام فن آخر جـديـد عنـد صالح عبد القادر فصالح بعنفوان عواطفه وحرارة أحاسيسه كان من أميز شعراء الهجاء في الأدب السوداني

وهنالك مـدارس للهجاء منها مدرسة الهجاء الفكاهي
التي تزعمها حسن عثمان بدري والنور إبراهيم وإمام دوليب

وهناك المدرسة السياسية للهجاء التي إنفرد بها صالح عبد القادر ،وكما يبث الشاعر كوامن عـواطـفـه وحـبـه
وأشجانه، فصالح عبد القادر يبث أحـزانه وشجنه،وقد استعان بذلك في شعره السياسي

وإذا قارنا بين مدرسة حسين منصور في الهجاء ومدرسة صالح عبد القادر ،نجد أن العاطفة والتأثر هما قوام الفن عند صالح عبد القادر، والمقارنة والتباين هي
قوام مدرسة حسين منصور

عمل صالح عبد القادر بالترجمة في وكالة رويتر،ثم إنصرف قبل مماته لإدارة أجزخانة العاصمة التي هي جزء من أملاك الأسرة وهاجمه الروماتيزم في سنيـنه الأخيرة وهولم ينفك ينشد الشعر وينظمه وقد إنتهى بموته موت أعظم شاعر للثورة الوطنية

عن كتاب المرحوم الأستاذ محجوب عمر باشري رواد الفكر السوداني

عمر ملاسي - الخرطوم  فى 15/8/2022م

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سيرة ذاتية مختلفة عن الدكتورة مريم الصادق المهدي

سيرة ذاتية للاعلامية نيكول تنورى

الصاج لعمل الكسرة السودانية