بروفيسور حسن مكى يكتب عن سقوط الإسلاميين..
سقوطنا.. نحن الاسلاميين
✍ ا.د. حسن مكي
هممت ان اكتب هذا المقال بعنوان: سقوط الاسلاميين.تململ ضميري .. *وقال .. من تريد أن تخدع ..؟!*
تحاول أن تعزل نفسك وتعفيها من المسؤولية ..
مسؤولية تدمير السودان .. ومسؤولية محو قبولية المجتمع السوداني لفكرة التوجه الإسلامي .. لفكرة بناء المجتمع السوداني على تعاليم الاسلام ..!!
يا رجل كن صادقا مع الله .. ومع نفسك .. ومع الآخرين .. فعدلت عما هممت به اولا .. وعزمت على ما هو الصدق .. وفي واقع الأمر ما حدث لنا نحن الاسلاميين يصعب وصفه ووصف تأثيره على كل إسلامي صادق. وفي تقديري ان الذي حدث كفيل بأن يحدث أزمة نفسية عميقة.. وحيرة.. وحسرة لكل من كان صادقا في انتماءه للحركة.
اما الذين كانوا يتخذون انتماءهم للحركة مطية لجمع متاع الدنيا وتحصيل المال والعقار والاستمتاع بشهوة السلطة. فهؤلاء لا يشعرون بأن هناك كارثة وقعت.. وان هناك خزي وخذلان اصاب الحركة الإسلامية وقضي على مبررات وجودها تماما. هذا الصنف من الاسلاميين هم الذين لا يرون فيما حدث الا ان سلطتهم التي كانوا يتمرغون في نعيمها قد سلبت منهم وانتزعت انتزاعا.
هؤلاء هم الذين يملأون هذه الأيام مواقع التواصل الاجتماعي بالكذب الصراح.. بالاشاعات المغرضة بالمقالات الهابطة..وتلفيق التهم للشي عيين والبعثيين والآخرين والسخرية من رئيس الوزراء الرجل المهذب الذي احترمه الأجانب ولم يحترموه هم وهم أبناء الوطن؟!
كل ذلك وأكثر منه اقدم عليه إسلاميون تلزمهم تعاليم دينهم ان يتعاملوا مع الآخرين بالادب الذي كان يتعامل به رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الآخرين في مكة والجزيرة العربية. جاء في كتاب الشفا في التعريف بحقوق المصطفى للقاضي عياض ان الرسول كان يبسط وجهه للعدو والكافر. ولم يؤثر عنه صلى الله عليه وسلم انه اساء الي احد قط مشركا او غير ذلك. وكلنا نحن الاسلاميون نحفظ عن ظهر قلب قوله تعالى لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الاخر وذكر الله كثيرا. ومن يتأمل مقالات الطيب مصطفى واسحق فضل الله أو حلقات حسين خوجلي في قناته او كتابات عبد الرحمن الزومة لا يجد الا الافتئات على الآخرين والسخرية منهم والتقليل من شأنهم وكل ذلك مناقض لما يجب أن يتحلى به الإسلامي من أخلاق في التعامل مع الآخرين.
سقطنا نحن الاسلاميين لأننا لم نرد بالاستيلاء على السلطة الا الغلبة السياسية والحمية للجماعة وليس للدين. ولو كان الامر كله لوجه الله لكانت العاقبة غير ما نرى الان من كراهية طبقات المجتمع السوداني لنا.
ويعجب المراقب لافعال كثير من الاسلاميين في الاسابيع والايام التي سبقت مسيرة الثلاثين من يونيو. فقد كان هناك ما يشبه السلوك الهستيري المندفع لتعطيل المسيرة وافسادها بشتى الأساليب الممكنة. إسحق فضل الله يكتب عن انقلاب مؤكد ووشيك. بل يكتب كمطلع على الغيب ويقول الجيش استلم وخلاص قبل الثلاثين من يونيو بعدة ايام. ويعقد محمد علي الجزولي قبل يوم واحد تقريبا مؤتمرا صحفيا يحذر فيه من َانقلاب يدبره الشيوعيون بدعم من دولة مجاورة ويبالغ في تعمد الكذب ويقسم على ذلك بالله!
أليس هذا مما يحير العقلاء.
اتدرون لماذا كل هذا السعار المجنون؟
لأنهم يعرفون لو ان المسيرة خرجت فسوف تكشف عن الحجم الجماهيري الهائل المؤيد للثورة. وهم لا يريدون ان يعرف العالم هذه الحقيقة. ولانهم لا يرغبون في مواجهة نقيض هذه الحقيقة وهي اننا نحن الاسلاميين فقدنا كل تأييد في المجتمع السوداني.
وفكرة ان الشيوعيون يدبرون لانقلاب بدعم من دولة مجاورة فكرة في غاية الشذوذ والغربة. فكيف يفعل الشيوعيون ذلك وهم مكون اساسي وفعال في كل تشكيلات الثورة. ولولا ان يبغضني الكثير ن لقلت بل هم المكون ذو الفعالية الأساسية في قيادة الثورة. رضينا نحن الاسلاميون ام أبينا. ومن الخطل ان ينكر الإنسان حقائق ماثلة للعيان على أرض الواقع.
ومما يؤسف له ان كثيرين من الاسلاميين ما زال يسعى للترويج لنفسه والحصول على كسب تأييد الآخرين بالحط من قدر الشيوعيون ومد ألسنتهم وكتاباتهم إليهم بالسوء. وهذا نهج من السلوك يأنف منه الشرفاء.
ولو عقد المنصفون مقارنة بين ما فعله الاسلاميون بالسودان وما فعله الشيوعيون لبدا الشيوعيون وكأنهم ملائكة.
. ونحن هنا لا نتحدث عن فكر الشيوعيون وعقيدتهم ولا عن فكر الاسلاميين وعقيدتهم. نتحدث عن صنيع هؤلاء وهؤلاء.
وربما كان أكثر ما يؤخذ على الشيوعيون مذبحة بيت الضيافة.
الحدث الذي ربما حظي باكبرقدر من التضخيم الاعلامي بتعمد ملحوظ من خصوم الشيوعيون ولا سيما الاسلاميون.
والمقتلة التي وقعت في بيت الضيافة ليست أكثر بشاعة من مجزرة الثامن والعشرين من رمضان.
والشيوعيون اصدروا عدة بيانات وتوضيحات ينكرون فية مسؤوليتهم عن المجزرة. ومجزرة الثمن والعشرين من رمضان تباهي على عثمان محمد طه في انهم قتلوهم في يوم واحد.
وعدد الذين قتلوا في بيت الضيافة على أرجح الأقوال تسعة عشرة عسكريا.وليس هناك مدنيين.
انظر كم من المدنيين تلطخت بدمائهم ايدينا نحن الاسلاميين.
كم قتلوا في معسكر تجنيد العيلفون. كم قتلوا في مظاهرات سبتمبر ٢٠١٣؟
كم قتلوا في ثورة ديسمبر ٢٠١٨؟
كم قتلوا في فض الاعتصام؟
كم قتلوا تحت التعذيب.؟
لا أعتقد أن هناك وجه مقارنة.
وفوق ذلك فإن مذبحة بيت الضيافة وانقلاب ١٩ يوليو يحيط بهما كثير من الشكوك والمغالطات. وابحثوا معي عن تقرير القاضي حسن علوب.
هل نهب الشيوعيون المال العام كما فعل الإسلاميون؟
هل جاء الشيوعيون برئيس للبلاد اطلق اشقاءه وزوجته في البلاد ففعلوا ما فعلوا؟
هل بدد الشيوعيون مليارات الدولارات في مشاريع فاشلة مثل سد مروى.؟
هل خان الشيوعيون الوجود التاريخي للسودان بالضلوع في فصل جزء حبيب من الوطن مثل الجنوب؟
هل حكم الشيوعيون ثلاثين عاما ثم اخفقوا في إدارة البلاد واعتدوا على حرمات الشعب السوداني سجنا وتشريدا وقتلا ومصادرة للحريات؟
بمنطق العدل والانصاف وبمعايير الوطنية فالشيوعيون افضل من الاسلاميين. ومن لا يقبل هذا الكلام فعليه ان يراجع كفاءته في تقييم الأمور.
ومع ان الذي حاق بنا نحن الاسلاميين من سقوط وتردي وفشل وانهيار بسبب الثورة العارمة ضدنا كان كافيا لان يدفع النخبة المثقفة من قيادات الاسلاميين لأن تتأمل في أسباب فشل التجربة وتوثق بالتحليل الموضوعي لهذه الاسباب فإن شيئا من ذلك لم يحدث وطفق كثير من الاسلاميين منذ سقوط النظام يكيدون للثورة باساليب مستهجنة لا تليق بمن يحسب انه إسلامي. وليس بخاف على احد انه حتى الخلافات والخصومات السياسية وغيرها لها أخلاقيات وضوابط واعراف يتوجب على كل الأطراف الحرص عليها.
وقد فات على الاسلاميين ادراك الموقف الصحيح الذي يتوجب على الجماعة اتخاذه عقب سقوط نظام حكمهم وعقب إدانة كل طوائف المجتمع لهم. لقد كان الامثل لهم ان يعترفوا بما اقترفوه من جناية على الشعب والوطن وان يقبلوا ان تدار البلاد بمن اختارهم الشعب احتراما لاختيار الشعب. ولكنهم لم يفعلوا ذلك بالرغم من أن الفكر الإسلامي ملئ بمعاني التوبة والرجوع وعدم الصرار على الذنب.
سوف ينقضي زمن غير يسير حتى يتمكن اول إسلامي قادم على إعادة مكانة التوجه الاسلامي في نفوس الناس. سيحزن الإمام حسن البنا في قبره اذا علم ان الفكرة التي دفع حيات ثمنا لها قد باعها الاخوان المسلمون في السودان بثمن بخس من أجل عرض دنيوي زائل.
ولنا عودة.أ .د. حسن مكي
تعليقات
إرسال تعليق