الدكتور عبد الملك النعيم فى سياحه للتراث الشعبى السودانى

سياحة في بعض أغاني التراث والحماية...
،،،،،،،   ،،،،،،   ،،،،
*شرح أبيات من قصيدة (خال فاطمة)*
،،،،،    ،،،،،،  ،،،،

*اب كريق في اللجج سدّر حبس الفجج*
*عشميق حبل الوجج اخوي مقلام الحجج*

*يا خريف الرتوع اب شقّه قمر السبوع*
*الفوق بيتو بيسند الجوع يا قشاش الدموع*

* وهي قصيدة تراثية باللهجة العامية يعود تاريخها للقرن التاسع عشر قامت بتأليفها امرأة أرملة لديها بنت اسمها (فاطمة) ونظمت تلك القصيدة في مدح شقيقها (خال فاطمة) لشهامته ومساندته لها اثناء احدي الكوارث. وقد احترت بل عجبت في شرح الاستاذ الكابلي لهذا البيت:

*البيت الاول*

*اب كريق في اللجج سدّر حبس الفجج*
*عشميق حبل الوجج اخوي مقلام الحجج*

* طبعا معروف ان (اب كريق) هو اسم التمساح باللغة النوبية بينما اللجج (جمع لجّة) هي كلمة عربية فصحي وردت في القرآن الكريم (او كظلمات في بحر لجّي) وتعني المكان شديد العمق في البحر الذي تنعدم فيه الرؤية لشدة عمقه وتصف شاعرة القصيدة شقيقها في الشطر الاول من البيت بالتمساح الذي يجيد السباحة في الاماكن العميقة ومعروف ان السباحة في الاماكن العميقة تكون اصعب وتحتاج لقوة اكبر وتضيف انه من الشهامة والقوة لدرجة انه وسط كل هذه المصاعب فهو يرفع صدره (سدّر) عاليا ليقوم باجراء اللازم من سد الفجوات (حبس الفجج - جمع فجوة) - أي اغلاق المنافذ و ستر ما يجب ستره من ثغرات*
*اما شرح الشطر الثاني من البيت فهو لا يقل بلاغة عن الاول فالعشميق مأخوذ من كلمة (آشميق) وهي ايضا كلمة باللغة النوبية تعني (لحاء اشجار النخيل) ومعروف ان مادة لحاء النخيل (العشميق) تعتبر من اقوي المواد في الطبيعة واكثرها تحملا لدرجات الحرارة العالية لذا يصنع منها المصفي الذي يوضع في فوهة آنية تحضير القهوة (الجبنة والشرقرق) حتي يقوم بتصفية البن اثناء صب القهوة بينما يظل ذلك المصفي متماسكا دون تلف رغم ارتفاع درجة حرارة المياه المغلية ... ايضا العشميق تصنع منه حبال "العناقريب" (و العناقريب لغير الناطقين بها هي جمع مفردة "عنقريب" وتعني السرير). والعشميق يصنع منه أيضا (حبل الوجج) وهو الحبل الذي يستخدم بواسطة عمال حفر الآبار لانزال الاشخاص داخل البئر ولربط الدلو الذي تجلب به المياه من داخل البئر وبالتالي فهو من القوة بحيث يثق الناس في متانته ويستأمنونه علي ارواحهم لانهم يضمنون انه -ولشدة متانته- فهو لن ينقطع ليطيح بهم داخل البئر .. وتضيف الشاعرة في وصفها لشهامة شقيقها انه (مقلام الحجج) اي انه يقطع او يستأصل (يقلم) المشاكل (الحجج - جمع حجة او مشكلة) و هنا تصف الشاعرة قوة شقيقها بمنتهي البلاغة حيث شبهت قوته بقوة العشميق الذي يصنع منه حبل الوجج - وكأنها تقول بانه ليس قوياً فحسب، بل هو اصل القوة التي تصنع منها الاشياء القوية مثل (حبل الوجج) وانه يقوم بحل المشاكل من جذورها (يقلمها)*

*البيت الثانى*

*يا خريف الرتوع اب شقّه قمر السبوع*
*الفوق بيتو بيسند الجوع يا قشاش الدموع*

*وبعد ان وصفت الشاعرة شقيقها بالشهامة والفروسية والقوة تأتي في البيت الذي يليه لتصفه بالكرم والعطاء والعطف قائلة: 

*يا خريف الرتوع اب شقّه قمر السبوع*
*الفوق بيتو بيسند الجوع يا قشاش الدموع*

*💫وهنا تشبه عطاء شقيقها لخريف الرابع اى الخريف الغني بالامطار الذي يعقبه اخضرار المراعي لترعي (ترتع) فيها المواشي .. اما (اب شقه قمر السبوع) فهي تصف شكل القمر وكأنه يشق السحب وقمر السبوع هو القمر في الاسبوع الاول من الشهر حيث اعتاد أهل الريف علي حساب التاريخ بحجم القمر وشدة اضاءته فهو مصدر الانارة الوحيد في الاماكن التي تنعدم فيها انظمة الكهرباء ويحسبون الشهر بالاسابيع ويقولون علي الاسبوع انه (دور) والشهر اربعة أدوار لذا تجدهم يصفون الشخص الجميل بأنه (قمر دورين) أي انه بدر مكتمل او (قمر ١٤) حيث تكون ليالي اكتمال القمر هي الاكثر اضاءة خلال الشهر (قمر ١٤) بينما تكون ليالي بداية الشهر ونهايته هي الاكثر ظلمة حيث*
*يختفي خلالها القمر ويزداد حجمه تدريجيا مع بداية الشهر حتي يأتي الاسبوع الاول من الشهر فيظهر (قمر السبوع) المضئ وهو يشق السحب ليضئ لهم ليلتهم بعد ان كانت الليالي التي سبقتها حالكة الظلام .. اما الشطر الثاني من البيت (الفوق بيتو بيسند الجوع يا قشاش الدموع) فهو واضح المعني الذي يدل علي الكرم والمروءة والشهامة..

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سيرة ذاتية مختلفة عن الدكتورة مريم الصادق المهدي

سيرة ذاتية للاعلامية نيكول تنورى

الصاج لعمل الكسرة السودانية