الدكتور ..محمد عبد الله الريح..يرثى الدكتور عبد الكريم الكابلى..
كتب الأستاذ الدكتور محمد عبد الله الريح في رثاء الكابلي:
بكائية تراثية على فنان تراثي
( وما تدري نفس بأي أرض تموت )
ولا نقول إلا ما يرضي ربنا :
( إنا لله وإنا إليه راجعون ) .
قالت التاية بت محمود :
عبد الكريم الكابلي ؟ الماهو الفافنوس وماهو الغليد البوص ؟ .. قادر الله .. حكم السيد رضا .. مافي كلام .
إلا سماحتو لما صاحب الوداعة أخد وداعته يدقولو الدنقر العواي ويدقولو نحسات الشرق لي حدهن .. عاد هو ما زولا هين ..
صحيح .. كان حقو ينطلق صياح على بوكسي مع مكرفون في شوارع مدينة فلين بولاية متشجان الأمريكية :
الحي الله والدايم الله .. عبدالكريم ود #الكابلي بقى في حق الله .. عبدالكريم بقى في حق الله .
والكوراك يضرب في شوارع متشجان وويخرج الصبيان (جراقدا أنداد) ويجغموا دنقرم (دنقرهم) يجوا مارقين ، ويسألوا عن المايستروا البقود تسعين ، الما بسولب الشعر وما بخطى في التلحين إلا بجيب رنة الوتر النغيمو حنين.
دايرنو يطل بألحانو يتوشح
وفي أعلى الجنان يقدل ويتفسح
مع البررة الكرام بعطورم يتمسح
أحي على نغمو في العروق بنتح
دا
إن غناك وكتر ما بقول غنيت
زينا في المحافل (كريم) عقب في البيت
أبوك يا سعد .. خال فاطنة مقلام الحجج .. كان حقو يتحكر يسد الفجج في الكونقرس ومجلس الشيوخ ويسكت نانسي بلوسي من الديموقراطيين وتيد كروز من الجمهوريين بعد أن يدلي أبوك بلسان أمريكي مبين مدافعا عن أهل السودان وشعب السودان كما كان يفعل دائماً.
أبوك يا سعد
خال فاطمة أوفاطنة السودانية أليس هو الذي أنشد قائلاً :
أي صوت زار بالأمس خيالي
طاف بالقلب وغنى للكمال
وأشاع النور في سود الليالي
إنه صوتي أنا
أوتدري من أنا
أنا أم اليوم اسباب الهنا
أنا من دنياكمو أحلى المنى
كل حب في الورى نبع حناني
هذا هو خال فاطنة السودانية الذي يعرف قيمتها ويعلي من قدرها وسط الأمم .
يسلم لنا خال فاطنة دنيا وأخرى.
(2)
في شتاء عام 1959 ونحن طلبة الكديت في خور عمر . جئنا طلابا من مدرسة خورطقت الثانوية . ليالي السمر التي كان يقيمها الطلاب في ذلك المعسكر كان يحضرها قائد المعسكر اللواء عبدالله المرضي وبالتالي كان على جميع الرتب حضورها .
في تلك الليالي استمعنا لأحد طلاب وادي سيدنا وإسمه محمد عبد الجواد وهو يغني (مروي) . عرفنا فيما بعد أن شاعرها وملحنها ومؤديها فنان إسمه عبدالكريم الكابلي . ولم تكمل أيام ذلك المعسكر إلا وقد رأينا في مروي كل جميل وحفظناها عن ظهر قلب وعدنا لخورطقت وكل منا يحمل في داخله مشروع كابلي صغير. وكانت تلك نقطة تحول في ذائقتنا الفنية التي كان يستحوذ عليها الفنانون احمد المصطفى وحسن عطية وعثمان حسين وأبوداؤود وقبل عام حل على تلك الذائقة الفنان محمد وردي... رحمهم الله جميعا .
الكابلي أحبنا فغنى لنا أعذب الأغاني فأحببناه وأدخلناه في روتيننا اليومي .
فترة الستينات في جامعة الخرطوم كانت فترة التجوال الأكبر . لقد تجول الكابلي كلمات وألحان وموسيقى وحس راق في شرايننا .. مع بلازما الدم كانت تتجول أسيا وأفريقيا كملمح من رومانسية عدم الإنحياز وحركات النضال العربي وضنين الوعد وتفشى الخبر وأحلى من عيني ومن قلبي عقبالك وأغلى من لؤلؤة بضة وسكر سكر سكر ولو تصدق التي كانت تسعفنا عندما يصاب أحدنا بشاكوش معتبر من إحدي طالبات الجامعة كنا نتغني بكلمات مغايرة مواسية : لو تصدق يا شباب عمري (المطرشق) .
وظل ذلك التجوال ملازما لنا عند الإبتعاث في النصف الثاني من الستينيات فكنا نحمل معنا شرايط الكابلي وكان المبتعثون يحرصون على التباهي بما عندهم من مقتنيات غنائية للكابلي .
أبوك يا سعد كان نهراً من الألحان بكى على شواطئه لحن أبكى جميع السودانيين عندما غنى رائعة الشاعر إبراهيم عوض بشير :
أنا أبكيك(ي) للذكرى ويبكي مدمعي شعرا
أنا أبكيك(ي) للماضي وللعهد الذي مرا
وللألحان مرسلة تصوغ الفن والسحرا
وللأزهار في الوادي حيارى ترقب الفجرا
وعندما تغنى من الحقيبة (بت ملوك النيل ) كل بنات السودان احتضن تلك الاغنية على اعتبار أنها تخصهن فكل واحدة هي بنت من بنات ملوك النيل . فأعاد الحياة لأغان كثيرة من مهمل الحقيبة كأغنية دمعة الشوق كبي .. كانت تغنى بطريقة معسمة رتيبة فعادت بعد سمكرة كابلية معتقة كالبابلية .
الكابلي ... ذلك (الفرنيب) الذي بر بقسمه ألا يجيب لنا عيباً ففي فترة ستين عاما من مشواره ومشروعه الفني لم يجب لنا عيباً واحداً. أتانا بالفخر والعزة والسيرة الحسنة الوضاءة الباهرة . غفر الله له وأسكنه أعالي الجنان وجعل البركة في ذريته وأفرغ علينا وعليهم صبراً جميلاً وهو المستعان.
أ.د. محمد عبدالله الريّح
تعليقات
إرسال تعليق