السفير...عبد المحمود عبد الحليم

الرجل العجوز الذي كان يقرأ روايات الغرام....

....لم يكن سفرا عاديا كالذى اعتاد عليه واستمتع به عبر"قطار باتاغونيا السريع " ، احدى رواياته الشهيرة فى حب الأسفار ،  لكنه كان هروبا من حقبة  بينوشيه.... على ان اديب تشيلى الابرز و كاتبها العالمى المعروف لويس اسبولفيدا مات بغير ذلك، فلم  تصرعه سيوف  اوغستو بينوشيه وبطش نظامه  بل اودى به  فيروس كورونا المستجد فى منفاه البعيد باسبانيا عقب مشاركته فى مهرجان ادبى بالبرتغال.....
فى روايته التى لاقت رواجا وتوسيما عالميا  "الرجل العجوز الذى كان يقرأ  روايات الغرام "   نادى اسبولفيدا  باصلاح علاقة الانسان بالبيئة الطبيعية وهو يروى بتفاصيل ساحرة كيف ان غابات الأمازون المشبعة بالماء والكائنات النادرة تنتهك عذريتها  من قبل سارقى الثروات  ومهددى  نظمها الايكولوجية...لا ادرى ماذا كان سيكتب اسبولفيدا  وهو  يرى أن الانسان الذى طالما  وفرت له البيئة الطبيعية اسباب الأستقرار والنماء تفرض عليه جائحة الكورونا وتحوراتها  الخوف من الطبيعة هذه المرة والانزواء في المحاجر  بتباعد جسدى واجتماعى  لم يألفه  ذلك  الرجل العجوز الذى كان يقرا قصص الغرام  فى قرى الامازون الاكوادورية....
ماذا كان سيكتب أديب تشيلى الكبير و هو يرى  الطيور عابرة القارات توقف هجراتها  والنوارس تلزم أعشاشها  والمدن الساحلية  شاحبة  بلون  الخوف والرهبة وقد توارى سمارها وارتحل عشاقها......
قبل ان يغمض عينيه الى الأبد  دس اسبولفيدا فى أيادى ممارضيه ورقة لعلها كانت تحمل التماسة عزاء...وربما وصفا لعام ٢٠٢٠ الذى تبقت بضعة  ايام على رحيله هو الآخر ،  والذى لايمكن وصفه بخلاف أنه عام الفواجع... لن تشرق شمس العام الجديد  باكرا فى ' كريباتى'  و'ساموا ، او  يكون ميناء سدنى بذات توهج أنواره الباهرة فى ليلة رأس السنة الجديدة...ولن يتذوق النيويوركيون طعم " التفاحة الكبيرة " عند التايمز اسكوير كما اعتادوا في  كل عام...
على ان فواجع العام كانت بالطبع أكبر من كل ذلك....رحل الأحباء ولن يعودوا...اطبق الكساد الاقتصادي على العالم ... تؤكد الاحصائيات التى تتضاعف كل يوم ان خسائر كافة قطاعات الاقتصاد والانتاج لم يسبق لها مثيل...كتب على الانسان ذلك "الكائن الاجتماعى"  التباعد ، مع مدونة سلوك جديد ة عند أى تواصل اجتماعى ....تقمصت الدول فردية الإنسان الراهنة وهروبه لجبل يعصمه من الأنواء  فآثرت السلامة بشروخ سياسية واضحة في قوام  النظام العالمى ، بينما يبرز السؤال الأكبر  وهو شكل عالم مابعد  الكوفيد -١٩.....
كان العام صعبا على الامم المتحدة التى اضطرتها الجائحة لعقد دورة جمعيتها العامة اسفيريا.....غابت ربطات العنق الأنيقة والسحنات المتنوعة لدبلوماسيي العالم فى الممرات وقاعات الاجتماعات... نعم....
تعرض العالم لكوارث ضخمة فى الحقب والعقود الماضية وباعداد اكبر فى عدد الضحايا...على ان مايميز الجائحة الراهنة هو ان لا احد يعرف منتهاها ونهايتها التى نامل ان تكون فى اقرب الآجال....كما انها تختلف ايضا  عن الكوارث الاخرى فى حقيقة انها اصابت "سوفتوير"  و "هاردوير" العالم والمجتمعات، فأعطبت المقدرات المادية وايضا المسلمات الاجتماعية والمجتمعية .....  
نسأل الله ان ياتى العام الجديد بأمر فيه تجديد ،  وخلاص من أسر هذه  الجائحة ،وأن  تكلل بالنجاح مساعى ايجاد اللقاحات الضرورية  ، مع الاستفادة والتقسيم العادل لها بين الدول الغنية والفقيرة....  و نأمل كذلك ان يكتسب الاهتمام بالصحة والابحاث والاستثمار فيها الأولوية القصوى والمستحقة......

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سيرة ذاتية مختلفة عن الدكتورة مريم الصادق المهدي

سيرة ذاتية للاعلامية نيكول تنورى

الصاج لعمل الكسرة السودانية