حول اتفاق السلام ..٣ من اكتوبر٢٠٢٠م بجوبا
توت قلواك،، وثمرة سلام بلا انتهاك
إسماعيل جبريل تيسو
وسيبقى الثالث من أكتوبـر 2020 يوماً خالداً في ذاكرة السياسة السودانية، وسيبقى التوقيع على اتفاق السلام بين الجبهة الثورية والحكومة الانتقالية، بدايةً لنهاية الكثير من التعقيدات الأمنية والسياسية التي ضربت السودان سنين عددا، ذلك أن اتفاق الثالث من أكتوبر يمثل ركناً مهماً قامت عليه ثورة ديمسبر المجيدة التي مهرتها دماء شباب خُلّص بذلوا أرواحهم رخيصة في سبيل الخلاص من دولة الفساد والاستبداد، وصدحت حناجرهم قوية من أجل تحقيق قيم السلام واستنشاق عبق الحرية، وإرساء دعائم العدالة.
ولست هنا بصدد تناول تفاصيل اتفاق السلام، أو الإشارة إلى كونه منقوصاً بافتقاد مجموعة عبد العزيز الحلو وعبد الواحد محمد نور، فالعافية درجات وأول الغيث قطرة، ومتى توفرت الإرادة السياسية فتحقيق الهدف يبقى ممكناً، خاصة في ظل المتغيرات التي تشهدها البلاد، من خلال توافق الجميع على بناء سودان جديد مرتكز على قيم العدالة والمساواة، ومستمد أصوله من مباديء النضال الفكري والمسلح والذي ظل قاسماً مشتركاً بين جميع القوى السياسية والحركات المسلحة على مدى ثلاثين عاماً حسوماً.
من لا يشكر الناس لا يشكر الله، ما تم اليوم هو قطف لثمرة عطاء منقطع النظير استمر عاماً كاملاً، بذلت خلاله الوساطة الجنوبية جهوداً مقدرة، مسنودة بإرادة قوية من شركاء السلام في المجتمع الدولي والإقليمي وبرعاية كريمة من الرئيس سلفاكير ميار ديت، من أجل أن ينعم السودان بعافية السلام، ذلك أن تحقيق السلام في السودان يعني استقرار دولة جنوب السودان، باعتبار أن البلدين كالجسد الواحـد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائـر الجسـد بالسهر والحمى، بهذه القناعات أخلص رئيس الوساطة الجنوبية الفريق توت قلواك النيه، وشمَّر عن ساعد الجدية ليكون السلام واقعاً في السودان.
لقد نجح الفريق توت قلواك وبرفقته السلطان ضيو مطوك دينق في قيادة سفينة الوساطة الجنوبية إلى برِّ الأمان رغم الأمواج المتلاطمة، وتميز توت بمرونة فائقة وذكاء حاد وتحلَّى بصبر لا ينفد وهو يجلس الساعات الطوال على طاولة التفاوض يقدم الحلول والمبادرات ويناقش القضايا والمقترحات ولا يتوانى في إلباس جو التفاوض ثوباً من الدعابات والمزح والقفشات، مما كان لها أثر كبير في تذويب بعض الجمود الذي كان يكتنف القاعات حيناً بعد حين.
لقد تجلّت حكمة الرئيس سلفاكير عندما تمسك بمبدأ أن تكون جوبا منبراً لتفاوض السودانيين، وزاد الموقف كيل بعير بتكليف الفريق توت قلواك برئاسة لجنة الوساطة لمعرفته بقدرات الرجل الذي أوتى بسطة في الجسم وفي العقل، وقوة في المنطق وحكمة في اللسان، واستند الفريق توت طوال قيادته لمنبر التفاوض في جوبا على علاقاته الواسعة داخل البيت السوداني حكومةً ومعارضة، ومارس تحركات مكوكية ما بين الخرطوم وجوبا حتى نجح في إحداث الاختراق المطلوب وتحقيق الهدف المنشود.
والواقع أنني كلما تابعت تصريحاً للفريق توت قلواك أزدت ثقة بقدرة الرجل على تحقيق السلام في السودان، فقد كان توت حريصاً على إرسال تطمينات للسودانيين بقرب تحقيق السلام رغم ما كان يكتنف طاولة التفاوض من شد وجذب، وهي أمور طبيعية تحدث عادة أثناء المفاوضات، ولكن توت استثمرها بذكاء ومضى أبعد من ذلك عندما كرَّس معرفته بطباع وأعراف السودانيين لصالح قضيته المصيرية، فعزف على وتـر إنسانية الزول السوداني وطيب معشره ودماثة خُلقه، حتى خلق مناخاً مواتياً لغرس قيم السلام وقطف ثماره التي أينعت اليوم.
شكراً سعادة الفريق توت قلواك رئيس لجنة الوساطة الجنوبية، ويد الشكر تمتد لتصافح فريق عمله وأركانه حربه وفي مقدمتهم السلطان الدكتور ضيو مطوك دينق الذي لعب دوراً محورياً في بلورة قضية السلام، فلا غرو وقد كان السلطان ضيو رجلاً حصيفاً ووزيراً نافذأ في مستشارية السلام بدولة السودان الموحدة قبيل انفصال الجنوب، فاكتسب خبرات أهلته ليقود دفة التفاوض ويحقق رغبة السودانيين في إيقاف القتال وإنهاء معاناة المواطنين في المناطق المتأثرة بالنزاعات والحروب والصراعات.
وتبقى رايات الأمل ترفرف في النفوس، بقدرة الوساطة الجنوبية على إلحاق الرافضين والمتعنتين بقطار السلام في السودان، وتبقى تصريحات الفريق توت عشية التوقيع على اتفاق السلام بمثابة رؤية جديدة لتجديد الثقة في الوساطة الجنوبية لتمضي قدماً على طريق السلام الشامل من جهة، وتعزيز العلاقات الثنائية بين دولتي السودان من جهة ثانية، فقرار دخول السودانيين إلى دولة جنوب السودان بدون تأشيرات يضخ دماء المحبة والمحنة في شرايين علاقات الأخوة الصادقة، ويؤكد في الوقت نفسه أن الشعبين ما هما إلا شعب واحد يعيش تحت ظلال دولتين اثنتين، وصدق المبدع الفنان الراحل عثمان حسين عندما قال
واصبحنا رغم البين
روح واحدة في جسدين.
تعليقات
إرسال تعليق