ذكرى رحيل الموسيقار فنان افريقيا الاول ..محمد عثمان وردى

في مثل  هذا من
18/2/2012
ودعت البلاد واحدا من عباقرة السودان الفنان محمد عثمان وردي قيثارة الفرح النبيل وصاحب الغناء الرصين وبرحيل وردي كأنما عاد الحزن القديم وكأن صوته يردد مع أحبته:
ولا الحزن القديم انت
ولا لون الفرح انت
ولا الشوق المشيت بيه
وغلبني أقيف
وما بنتي
ولا التذكار
ولا كنت..
بتطلعي إنت من غابات
ومن وديان
ومني أنا..
خرجت الأمة السودانية كلها في كل مدن وقرى السودان والسودانيون في كل بقاع العالم يودعونك عشان فؤادهم بقي جريح ويقول ليك سامح دمعتنا ووا ضيعتنا وضيعة الوتر اللي تركته حزين، فأنت ايقونة الغناء السوداني وحادي ركبه وسهم من سهامه التي شكلت وجدان الأمة ودغدغت المشاعر.. يا من لامست أوتار كل الناس جعلتنا في حداد كبير كل العيون باكياك وتساقطت اوراق الشجر عند اهتزاز الاشجار وأطلقت الطيور نشيد الحزن وكأنما تردد كلمات عمر الطيب الدوش وأنت في سرمدية الخلود الجمالي ونحن مع صحبة جروف النيل مع الموجة الصباحية.. يرحل الوجه المليان غنى يا روح الغناء السوداني كيف تروح ومين من بعدك يغني للبلد الحبوب ولي ناسها ولي جمالها.. وزي ما قال سيد أحمد الحردلو:
عشانك بكاتل الريح
عشانك فؤادي جريح
عشانك أنا مكتول
وبموت معاك مكتول
عشانك يا حزن نبيل
عشانك يا حلم جميل..
يا نيل
وفيك الأستاذ وردي يمتزج شخصك بالوطني لأنك معجون من طينة الابداع لذلك كان الوطن هاجسك بترابه وناسه لأنك نيل من الكلام العذب ونبل من المواقف والتضحيات ومن غيرك يعطي لهذا الشعب معنى أن يعيش وينتصر وأنت تردد ويرد الصدى:
جيلي أنا جيل البطولات المشرئب ضراوة ومصادما
أيها الحاضر في الغياب يا موحد أمتنا رغم الاختلاف في المحبة وأنت ينابيع من الفنون وعبقريات من الأناشيد والأغنيات وعند شخصك تلتقي الأضاد يا من شكلت تاريخنا ووجداننا واحلامنا وارتعاشاتنا أفراحنا واحزاننا ليلنا ونهارنا صحونا ومنامنا واهدافنا وطموحاتنا وآمالنا ببصمتك في خريطة الغناء السوداني كنت العلامة البارزة، وبنا عبرت باسم السودان في توازي مع الطيب صالح العبقري الروائي وصار غناؤك في أوطان بعيدة عربية وعجمية وافريقية، بشدوك الجميل داعبت أحلام كل المغنين لأنك كنت طائرا مغردا جميل الصوت وطائرا فريدا في سموات عالية مع الاديب الدبلوماسي صلاح أحمد ابراهيم في همس وتغرد:
غريب.. وحيد.. في غربته
حيران يكفكف دمعته
حزنان يغالب لوعته
يتمنى بس لي أوبته
طال بيه الحنين..
فاض بيه الشجن
واقف يردد من زمن
يا الله يا الطير المهاجر للوطن زمن الخريف
تطير بسراع تطير ما تضيع زمن
أوعك تقيف
وتواصل الليل بالصباح تحت المطر
وسط الرياح
وكان تعب منك جناح
في السرعة زيد
في بلادنا بترتاح ضل الدليب أريح سكن..
وارتاح أنت ايها الرائع واسكن في قبرك بالرحمة لعطائك وتفردك ولنكفكف نحن الدموع ونحتفي بك خالداً في الوجدان.. لأن كل حتة منك في الخاطر صبابة لأنك يا وردي أنت سحر الاسطورة وعزائي افتخاري بك وبأبنائك وأهلك وأصدقائك وشعرائك الذين شكلت معهم نسيج وبديع اغنياتك ومنهم محجوب شريف الذي سار معك في مشوارك الفني الكبير مشاوير كثيرة ودوزنت بأناملك الرائعة الموسيقى وحولت الشعر الى فضاء الغناء وسيظل في الذاكرة يردده كل الناس شيوخ وشباب لأنك فنان مجيد:
وأنت نشيد الصبح كلامك
وعطر انفاسك
وعطر انفاسك ايها الوردي هي من شكل هويتنا وهي من رسم لوحاتنا الزاهية الضاجة بالألوان في حضرة الوطن:
وتدي النخلة طوله..
والغابات طبولها..
والايام فصولها والبذرة الغمام
قدرك عالي قدرك يا سامي المقام
وصوتك عزيزنا وردي مقام كبير وحضرة من الفنون تضج بها الذكريات ومواقف وارتحالات وأنهار من الابداع لأنك خريطة للوطن لذلك كل حتة منك في خواطرنا وكل لفتة وكل لمسة هي من اعتزازك وافتخارك بالانسان السوداني ايها السودانوي المتبتل في محراب الوطن وأنت توصفه مع الشاعر وتطرح تساؤلاته:
جنبك نبتة نبتة تكبر نحن ياما
نسألك أنت
وأنت ورينا الاجابة
علمنا الرماية
والحجا والقراية
والمشي بي مهابة
في الضحى والظلام
وبرغم ان وردي صريح وواضح ويفكر بصوت مسموع وذلك لأنه يرتكز على معرفة وتجربة ثرة الا انه يغني للوطن ولكل الناس بجمال وابتسامة، ويقول في احد حواراته في الدوحة مع الكاتب هاشم كرار «أجمل ما في هذه الدنيا الابتسامة» وقد تغنى وردي في أول تجاربه اللحنية للشاعر كمال محيسي:
أمل بسام بيحدوني
جمال وكمال بيتجدد
وقد كان وردي يتنقل في ألحانه في مساحات من الجمال والرؤى الفنية وهو موسيقار وفنان بنى تاريخه الغنائي على قيم الجمال وصناعة الدهشة بالجمال والمشاعر الانسانية النبيلة ولو بهمسة لرفيق دربه الشاعر اسماعيل حسن تشكل لوحات وجمال اخاذ وان الجمال صفة ملازمة دائما لصاحب البصمة الصوتية الغنائية المتفردة وردي:
لو بهمسة لو ببسمة.. قول احبك
لو بنظرة عابرة قول احبك
لو بتحلم في منامك قول احبك
يا حبيبي كل بسمة من شفايفك أحلى غنوة
كل نظرة من عيونك فيها سلوى
كل نسمة من ديارك فيها نجوى
وسلوانا ايها الراحل المقيم ان صوتك سيظل موجودا لأنك صاحب بصمة غنائية لاتزول من الذاكرة الا بزوال المستمع من هذه الحياة الفانية وعرفت وستعرف الاجيال الموسيقية المختلفة أن صوتك يغني في كل المقامات الموسيقية وان خامته تينور وان مقامك كان سليما مما بدأت الغناء والى أن ودعتنا من غير ميعاد ، وانك موسيقى بمعنى الكلمة وعازف ماهر على آلتي العود والطنبور، وانك فنان كيان يضج بالاشراق دائما لأسلوبك الغنائي ولصفائك وودك مع الآخر دائما لذلك جاء الانتاج الفني لديك يحمل المودة والمحبة وعشت الود مع الشاعر عمر الطيب الدوش:
أعيشها معاك لو تعرف
دموع البهجة والافراح
أعيشها معاك واتأسف
على الماضي اللي ولىّ وراح
على الفرقة الزمانا طويل
على الصبر اللي عشناهو
مع طول الألم والليل
زمان كنا بنشيل الود
وندي الود..
فقد أعطيت الود وما بخلت بنفس كبيرة لذلك انتشر الحزن بعد خبر رحيلك لأنك سافرت بلا وداع لذلك تركت لنا الدموع وتوسدنا أنغامك وبيوت كل السودانيين هي بيوت عزائك الكل يعزي أخاه لأن كل السودان أسرتك لأنك حافظت على اذانهم من الضجيج وتسربت اليها منك دوزنات موسيقية مبدعة وظفت فيها فضاء الغناء المتطور بوضوح ومتجدد من صاحب ملكات ومقدرات شكلت ماضي وحاضر ومستقبل الغناء السوداني فهو سيرة ومسيرة لا تنتهي فصولها برحيله وهو القادم من صواردة في اقصى الشمال معلماً بالطباشير وصار معلما ومن معالم الغناء في بلدي انسان وفنان ترك كنوزا من الابداعات وترك جراحا من الأسى لدى محبيه لأنه كان يتطلع لغد اجمل وأروع للغناء والموسيقى ، ورغم انه بلغ الثمانين ورغم التعب فان صوته لم يشخ وكأنه على موعد مع ان المجد في صوته الذي احدث الحداثة في الغناء كما احدثها القادم من منطقته من قبله شعراً وغناء الفنان خليل فرح لأن جينات العبقرية متوارثة وهي في كيمياء الشخصية لدى ساكني تلك النواحي، ويخيل الى ان البيئة والعيش ما بين النيل والنخيل يولد الابداع وسرمدية التجدد والتجديد والتطوير لذلك سيظل الزول القيافة وأعز الناس بيننا طالما القلب ينبض والعين ترمش والاذن تسمع لان وردي تاريخ من الغناء مع الفيتوري يغني اصبح الصبح وهو يغني للوطن مع الشاعر محمد المكي ابراهيم:
جيلي أنا
المستميت على المبادئ مؤمنا
المشرئب الى السماء لينتقي صور السماء لشعبنا
ووردي فنان في وطن ووطن في فنان غنى للسودان أرضاً وشعباً واقعاً ومستقبلاً وكيف نتصور أن ما تبقى من الوطن ليس فيه وردي وقد انشد في الاستقلال مع عبد الواحد عبد الله:
اليوم نرفع راية استقلالنا
ويسطر التاريخ مولد شعبنا
يا اخوتي غنوا لنا
وليغني الشعب السوداني لوردي البطل المصادم بالغناء الحامل لواء التجديد لعرس السودان عرس الفداء مع الدكتور الشاعر مبارك بشير:
نلتقيك اليوم يا وطني لقاء الأوفياء
قد تنادينا خفافاً لك يا أرض البطولات
وميراث الحضارات
نغني اليوم في عرس الفداء
لبعانخي وترهاقا
وللمهدي
لعلي عبد اللطيف
لعبد القادر ود حبوبة
لصمود العز في كرري
للموت الفدائي العظيم
فالدكتور الفنان محمد عثمان وردي أمير الحسن هرم من اهراماتنا السودانية ونهر من أنهارها الدافقة في مسيرة الابداع غنى لأكتوبر الأخضر وللجمال والحب والعشق نور العين والذي يبدع بالصور وتوعدنا وتبخل بالصورة ويا طير يا طائر من بعيد فوق الغمام ولما تغيب عن الميعاد بنفتش ليك في التاريخ وقد مشيت رحلة عصافير الخريف بفهم ومعرفة يا من كتبت اسمك في لحى الاشجار يا من جلست في حضرة الوطن وانت تغني في حضرة جلالك يطيب الجلوس ودي الارادة وأنت موجود في حدقات العيون وفي مناديل كل العذارى ولما اكتب ليك وداعاً قلبي بنزف في الدواية لأنك سيد نفسك يا مرسالنا وغناوينا ونعزي كل فرد من الشعب السوداني والبركة والخير بإذن الله في أبنائك صباح عبد الوهاب وحافظ  وحسن ومظفر وجوليا وفي كل أسرتك وعارفي فضلك وأهلك وعشيرتك وأصدقائك وشعرائك وعليك السلام أيها المغني المستحيل الذي صار مؤسسة ثقافية وطنية تعمق الوجدان وتزينه بالوعي الغنائي الذي وحد الأمة في وجودك وفي رحيلك ورحلت وبيننا قصة حب طويلة معك لم تنته ولن تنتهي وعلى نيل بلادنا سلام وعلى نخيل بلادنا سلام.. وعليك السلام في جنات الخلد مع الصديقين والشهداء بقدرما علمت وبذلت
ما أقسى الرحيل والوداع من كل انسان نحبه يسافر من غير وداع.. الحمد لله من قبل ومن بعد والرحمة للجميع.
منقوووول... مشاركة..لهم.. التحية ولاقلامهم الرائعة..

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سيرة ذاتية مختلفة عن الدكتورة مريم الصادق المهدي

مشاط الشعر فى السسودان وتطوراته

سيرة 1ذاتية..البروفيسور سامى احمد خالد احمد مصطفى