حول مايدور اليوم فى السودان ..عميد ركن السر احمد سعيد
كتب الجنرال العميد الركن السر أحمد سعيد:
(92)
الباقي له ......أيام .
سقوط آخر طغاة السودان ونظرية "الجماعة ديل"
جلست أمام الحاسوب أتابع مجريات هذه الثورة المضيئة المباركة والمظفرة بإذن الله .مضيئة لأنها أضاءت لنا الدروب التي كدنا أن نتوه عنها ،مباركة لأنها جاءت مع أعياد استقلال البلاد من المستعمر ومظفرة لأنها تنقلنا إلى مربع تأسيس الدولة الوطنية التي كان يجب أن يتم تأسيسها في1956 مع خروج المستعمر، والتي تعني دولة الدستور والقانون والديمقراطية . طاف بي الخيال فتذكرت ليلة أعلن الفريق إبراهيم عبود حل المجلس الأعلى للقوات المسلحة وتعليق الدستور وحل المجلس المركزى وكان ذلك نهاية انقلاب 17نوفمبر 1958م ولم تستغرق الاحتجاجات الجماهيرية سوى تسعة أيام . ثم انتقل بي التفكير إلى الفريق عبد الرحمن سوار الذهب وهو يلقى بيان إعفاء الرئيس جعفر النميرى من منصبه وايقاف العمل بدستور 1973 صبيحة السبت 6أبريل 1985 وبذلك وضع حدا لحركة 25مايو 1969ولم تكن الاحتجاجات قد أكملت اسبوعها الثاني . وتساءلت لم لا يقوم المشير عمر حسن البشير بخطوة مثل التي قام بها عبود أو سوار الذهب خاصة وأن مايسمى بثورة الإنقاذ قد سقطت تماما سياسيا ، إقتصاديا ، أمنيا ، أخلاقيا وفي نفوس كل السودانيين عدا قلة أعميت بصائرها فاستوت عنده الأنوار والظلم .السقوط هذا أعلنه الثوار عبر تلفوناتهم(إعلام الثورة ) وبرامجهم (اللايف ) مثل (عثمان ذو النون ، على هباني , عيسي موسى حميدان ) الذين تفوقت لايفاتهم على قنوات عريقة تمولها جهات حكومية لصدقيتهم هم وخوائها هي .
ورحت أقلب التفكير لعلي أجد إجابة مقنعة على ذلك التساؤل . تساؤل لماذا لا يقوم المشيرعمر حسن البشير بإعلان نهاية مايسمى بالإنقاذ وأن الاحتجاجات والتظاهرات تقارب نهاية شهرها الثاني ولاتزال الجموع تملأ الشوارع والطرق وفي كل المدن وبلا يأس وهدفها واحد : # تسقط بس .
حقيقة وجدت أسبابا كثيرة ولكن أهمها وأكثر ما توقفت عنده هو الخوف والجبن اللذان يتملكان الرجل بشكل غير طبيعي .فمثل هذه الخطوة (إعلان التنحي والاستقالة ) تحتاج لشجاعة رجل مقدام وثبات جبل حديدى مثل الفريق إبراهيم عبود والذي أذاع بيان التنحي كاملا دون أن يطرف له جفن ودون أن يتلعثم في كلمة لأنه رجل حقيقي. وكذلك مولانا الفريق سوار الذهب رغم أنه أذاع البيان من داخل مكتب القائد العام داخل القيادة العامة إلا أنه كان ثابتا ومتوكلا رغم أنه يعلم تماما أن مصيره كان في مهب الريح إن فشل ثوارالانتفاضة . ومن الواضح أن المشير عمر البشير رغم أنه مشير (فيلدمارشال ) ورغم أنه القائد العام لمدة ثلاثين عاما إلا أنه للأسف لا يحمل في جوفه قدرا ولو يسيرا مما تمتع به الفريق عبود والفريق سوار الذهب من شجاعة ورجولة وإيمان .
مظاهرهذا الخوف تتبدى للمتابعين في العيً الذي أصاب الرجل في الفترة الأخيرة فتراه يقول كلاما متناقضا ( يورد آيات خطأ في غير موضعها (آية القصاص) أو يغير أسم صحابى جليل (على بن الخطاب ) أو يلغي ويبتلع ماقاله وأكده بأغلظ الإيمان قبل فترة ( قانون النظام العام ) أو يتهم شعبه بالعملاء والجواسيس أو ....أو إلي آخره . ثم تتبدى مظاهر الخوف في هذه الأسفار التي لا معنى لها والتي لا تقدم حلولا والبلد تحترق أمام أعينه والأزمات تستفحل ولايوجد ما يستبشر به الناس سوى الكلام .وتتبدى أيضا فيما يقوم به من زيارات اجتماعية (حضور زيجات أو حضور عقد قران ، أو عزاء )وكلها لاتعني شيئا للشعب سوى أنها تصغره وتصغر من منصبه والأعجب أنه أينما يذهب , توجه له الإهانات والشتائم كما يسمع الناس .وأيضا هذه الرقصات والعرضات المصطنعة والمتكلفة والتي لا تعكس عن صاحبها إلا نوع من الهبل والحمق .
ولكن لم يخاف الرجل وهورئيس الجمهورية لمدة ثلاثين عاما إلا بضعة أشهر ، أقول :
أولا : الخوف من ترك الحكم لأنه سيذهب للجنائية وستلاحقه كل الأطراف ولن تقبل به أية دولة ، شخصيا لا أعتقد أن هناك أي دولة قدمت له عرضا للبقاء عندها وأعتقد أن كلما جاء في هذا السياق محض تكهنات لسبب بسيط هو : أنه سيكون عالة على تلك الدولة وسيطالبها المجتمع الدولى بتسليمه ،وفي النهاية ستسلمه مثلما فعلت نيجيريا مع تشالرز تايلور الرئيس الليبيري الأسبق وتم تسليمه بعد أن منحته اللجؤ . عموما في ظنى أن لاهاى أخف وطئا فالجو بارد وسيلقى رعاية صحية راقية وربما يحاكم بستين أو سبعين عاما حسب الجرائم التي ارتكبها ضد الإنسانية ثم يعفى بعد قضاء نصفها أو أقل .
ثانيا : الخوف من الجماهير السودانية والتي رغم عقلانيتها وسلميتها إلا أن هناك جزء منها لن يقبل له سوى مصير القذافي أو على عبد الله صالح اليمنى، ولذلك أنا أفضل له لاهاى .
ثالثا: الخوف من "الجماعة ديل" وهذه هي مصيبة المصائب لدى الرجل ف"الجماعة ديل " هو مصطلح يٌعبَر به عن جماعة معينة تسيره وفق أهوائها وتتحكم في كل خطواته بشكل غريب وتجعله شبحا لرئيس وليس رئيسا كاملا . والشواهد على ذلك كثيرة :
منها : بعد حركة 28 أبريل احضرت له أسماء الضباط المشتركين وقالوا له وقع على أمر الإعدام . فلما تردد قيل له أنه قد تم إعدامهم و"الجماعة ديل " قالوا ليك توقع . فوقع ولم يعترض أو حتى يقدم استقالته .
منها : قضية إعدام مجدى محجوب محمد أحمد تمت بعلمه ولكن بأمر" الجماعة ديل " لم يستطع أن يفعل شيئا وزارته أم مجدى في البيت فهرب عنها .
منها : حينما علم عضو مجلس الثورة ووزير الداخلية الأسبق اللواء فيصل أبوصالح أن هناك معسكرات تدريب سرية في بعض المزارع في الخرطوم . رفع الأمر إلي مجلس الثورة قائلا أنه وزير الداخلية ولا يعرف شيئا عن الموضوع !! أجابه بأن لا داعي لإثارة الموضوع لأنه جاي من " الجماعة ديل " !!
منها : حينما وقعت المفاصلة وكان عددا من موقعى المذكرة حضورا معه في منزله وهم في أعلى درجات الاستعداد جاء خاله الرئاسي وجلس معهم على طاولة الإفطار فأراد تلطيف الجو .فأسكته الرائد إبراهيم شمس الدين ولما أراد الحديث مرة أخرى قام إليه إبراهيم وأمسك به من تلابيبه وأخرجه من دار ابن أخته ثم عاد إليه قائلا " اسمع حاتقرأ البيان واللا نجيب زول يقرأه بدلا عنك " والمعنى أنه إن لم تقرأ البيان سيتم إعفاءك وتعيين رئيس جديد .فسكت وطأطأ رأسه .لأنه يعلم أن إبراهيم يتحدث باسم " الجماعة ديل " وقام وقرأ البيان .
منها : أحد الضباط المظليين ومن أصدقائه عينه بقرار جمهورى مديرا لهيئة معينة . بعد فترة جاء إلى مقر المدير شاب من التنظيم الإسلامى وأخبره أنه تعين في هذا المنصب وحينما سأله من عينك أجاب " جماعتنا ديلك ". رفض المدير هذا الكلام وذهب إلى الرئيس لأنه معين بقرار جمهوري .قال حينما أبلغته بذلك توقعت أن يصدر أوامره وينهى المسألة لكن تفاجات بأنه قال لي بالله قال ليك عينوني "الجماعة ديل " طيب خلاص خليهم وحانشوف ليك مكان جديد .!!! قال خرجت منه وعلمت أن الرجل يجلس وهو خاوى تماما .
منها : قضية محاولة اغتيال رئيس دولة جارة وذات ثقل لم يعلم بها إلا بعد أن فشلت بل وعاد من مؤتمر القمة ويحمل في طائرته بعضا ممن شاركوا في العملية الفاشلة بتعليمات من "الجماعة ديل " ولما علم لم يحرك ساكنا .
منها ومنها ومنها يمكن أن أعدد الكثير من التعيينات التي تتم بواسطة "الجماعة ديل "وهو لا يد له فيها وفي أرفع المناصب بل وحتى نوابه أو مساعديه فما عليه سوى القبول . ومنها كثير من الزيارات الخارجية تملى عليه من " الجماعة ديل " بل ويحُكى أنه ذات مرة كان في زيارة معلنة إلى أرتيريا لمدة ثلاثة أيام فإذا به يقطعها ويغادر إلى دولة أخرى بناء على توجيهات من "الجماعة ديل".
والأنكى من كل ذلك محاربة الفساد فما أن يشكل لجنة وتبدأ أعمالها إلا وتقتل اللجنة ويجد نفسه في حيص بيص فيشكل لجنة أخرى وتلقى مصير سابقتها . وراجعوا اللجان التي شكلها
ختام القول أن الرجل لن يستطيع أن يقوم بما قام به عبود أو ماقام به سوار الذهب لأن المسألة ليست بيده ولأن الاستقالة ممنوعة عليه إلا بأمر" الجماعة ديل " ولأنه لايملك الشجاعة والعزة التي يمتلكها الفريق إبراهيم عبود أو الفريق سوار الذهب .هل رأيتم رجلا يجلس في منصب ثلاثين عاما ولا يهدد بالإستقالة ولو مرة واحدة . هذا الجبن والخوف مرده أنه يخشى أن تتم تصفيته هو ومن حوله قبل أن ينطق بها . وبالله عليكم هل من عاقل يكون رئيسا لدولة وتخرج كلها ضده (شخصيا ) وكراهية فيه ثم يترك لبعض أعضاء المجلس الوطني مناقشة تعديل الدستور ليتم التجديد له للترشيح !!!! أرأيتم التناقض وهل عرفتم سبب هذا التوهان وهذه الأقوال المتناقضة والأفعال الغريبة (الأسفار، الزيارات الداخلية لإستجداء التأييد، والمجاملات الفارغة ، الرقيص ) بكل تأكيد هذا يخرج من عقله اللاواعي لأنه غير متناغم معه إذ أنه معطل بأمر من "الجماعة ديل "
أما إن كانت المسألة مسألة ، شعبية وتأييد وحشود ، فنقول له أعلن التنحي فقط وسترى جموعا لم ترها قط ولن تراها أو نسمع بها الحشود نفسها .ولم ترها ولن تراها " الجماعة ديل " أنفسهم، وسترتاح وتريح الناس ، وتريح "الجماعة ديل" ذاتهم..
العميد م السر
تعليقات
إرسال تعليق