شوارع لا تنسى.. الكاتب ناصر قاسم بريمه
🖋️كتب ناصر قاسم عثمان بريمة:
شوارع سوق الأبيض
وقبل أن تنسى ذاكرة المدينة
(7)
ناصر قاسم عثمان بريمة
عدنا ومعاً نواصل مشوار الحنين في شوارع سوقنا العتيق نجترّ جميل الذكريات وننفض غبار السنين من شوارع غابت أوكادت أن تغيب عن الذاكرة ومنها شارعين إختفت كل معالمها تماماً ولم يعد لهما وجود في خارطة المدينة . فتوسعة الجامع الكبير إقتضت أن تضم لمساحتها شارع جنوب الجامع وآخر غرب الجامع تفتح دكاكينة شرقاً علي بوابة المسجد الغربية ، فالقادم من جهة الدلالة والمتجه غربا يدخل بشارع كانت تفتح دكاكينة علي بوابتي المسجد الجنوبيتين وكل الدكاكين كانت ملك حر لأصحابها الذين أشتروها من الخواجات بقيمة خمسة جنيهات للقطعة ونحسب أن أصحابها من السعداء فهم من الذين ساهموا في بناء جامع السوق الكبير . عند دخولك علي الشارع من جهة الشرق يقابلك دكان عبدالرحيم المبارك للزخيرة ومكنات الخياطة وللعلم فهو من إشتري مراوح جامع السوق الكبير لأول مرة وهو من قام بتركيبها فيه ، يليه ملتقي شعراء الحقيبة دكان دفع الله القوس نديم حدباي فلطالما رأينا معه الأمي وسيد عبدالعزيز وقاسم بريمة والمساح. ذلك الترزي الماهر البارع الذي كانت تأتيه أقمشة علِية القوم من أمدرمان فيقوم بحياكتها وإرسالها لهم يليه دكان بشير الفكي ويشاركه فيه إبن عمتة خوجلي محمد أحمد وهو للإجمالي والخردوات شأنه شأن دكاكين الخضر بامسيكا دفع الله الزيلعي وأحمد جادكريم الهباني ومحجوب الخليفة ودكان الطيب الحاج والذي جاء بعده آدم محمدين ( جكسا) ودكان الدسوقي الزين وكانوا كلهم في هذا الشارع ، وفي الشارع نصيب للأصناف الأخري فمن تجار الأقمشة حسن محمد إدريس خال التاجر الكبير شوقي عمر عبدالله وهناك محل أقمشة آخر لعبدالرحمن العميري وأولادة وفيه أيضاً مستلزمات العرب من القِرب وماشابه وهناك أيضاً دكان عبدالمطلب الخطيب وكان يعمل معه مورس سلامة القبطي والذي آل إلية الدكان فصار من أشهر تُجار الأقمشة ومعه رفعت بُختر بريص والذي غادر المدينة بعد ذلك ليستقر بالقاهرة، أما تاجر الأسمنت الوحيد بينهم فهو أحمد يسن وهناك تاجر الحبال الشاعر المجيد حسن الحاج الأحمدي صاحب قصيدة ( أوعه الغرور أوعه الكبر ياذاكر) كان أحمد خوجلي هو أول من فكّر في وضع الأباريق في وضاية الحديد مقفولة الجانبين وهو أيضاً أول من قام بوضع جرادل الماء للشرب في الجامع قبل أن يقوم السيد ياسر عبدالسلام محمد صالح بإستبدالها بحفاظات المياة الحالية. أما المناظر المألوفة في هذا الشارع فهو منظر حفر البرندات بالكواريق والحشاشات لرفع طبقات الزيت التي تراكمت أمام الدكاكين والمنظر الآخر والأجمل فهو لعربات الحلّال التي تقف تحت النيمة العملاقة وتسافر بأهلنا للخوي والبركة وأم كريدم بسواقيها المهرة عثمان إبراهيم ـ..إدريس الشنبلي ..عثمان أمان وأمين خوجلي وكانت لحظات ماقبل القيام تستحق أن تصور كأجمل الأفلام الطبيعية في حياتنا فما بين راكبٍ مستعجل وآخر ينتظر صاحب دكان ليسلمه بضاعته ومابين أخري ترفع دولابها الموسنايت أو الفورمايكة والشنطة المجوز وتلك التي تشتكي من ضيق (القَعدة ) ومن تلك التي ( عفصتها) في رجلها وهكذا كانت تدور أسفارهم قبل الوصول لقراهم و كم كانت عيون المدينة من الناظرين تستمتع بتلك المشاهد الدرامية اليومية.
أما الشارع الآخر والذي أصبح ذكري تُحكي فيبدأ من جهة الجنوب للشمال بالسيد عبدالسلام محمد صالح موسي أشهر تاجر جبنة في زمانه وعبدالسلام هذا أيها الأحباب كان يقوم بتصنيع الجبنة في جبل كردفان جنوب الداجو وكان يشتري يومياً أربعين برميل لبن لينتج منها سبعين صفيحة ذلك في فترة الخريف أما الجِبنة الرومية والمضفورة فقد كانت تأتيه من كازقيل من صديقة الإغريقي بنيوتي وذاع صيت عبدالسلام محمد صالح في هذا المجال حتي غنته المدينة:
نتلم في الضـل والـضرا وحيشان براحات ياسلام
بيـناتنا نـــفاج يــنفتح لمــــحبة لي ود لي وئام
عود تـاني ياوزينا عوم في الفولة والخزان سلام
والجِـبنة أُم أجمل طعم جيبوها من عبد الـــسلام
أما محمد بشير الفكي وبشير أبوجيب فهما تاجرا إبل يشترونها من سودري وأمبادر وأبزعيمة ويصدرانها لمصر عن طريق( درب الأربعين) المشهور ويعجبهما الحداة وكل ما يُغنّي لجقلة ، أما الرجل اللطيف الظريف صاحب النكتة الحاضرة عمر السيد إبراهيم فهو تاجر الملح في هذا الشارع والذي كان يأتيه من بورتسودان من خاله البربري صاحب الملاحات الشهير وكان مع عمر السيد في ذات الدكان نسيبة محجوب الأمين نائب رئيس إتحاد أصحاب العمل وصاحب مصانع الزيوت المشهور، أما مولانا الشريف عبدالمنعم شيخ الطريقة التجانية فقد كان دكانه لمراكيب الجنينة الأصلية وبعد وفاته صار الدكان لبشير الشريف عبدالمنعم، جاد كريم الهباني كان تاجراً للخردوات.. إسماعيل محمد طاهر وإبنيه صديق وعمر ومن ثم أشتري منهم الدكان عبدالجبار الخير وجميعهم كانوا تجار إجمالي ، وأمام متجر عبدالجبار الخير تقف عربات الأهل شادة الرحال للمزروب والخوي وأم كريدم وصوت طمباريها يغني :
الريد والغرام آ قلـــبي ساقك ريـــــح
والشوق والـــسهاد كواك بالتــبريـــــح
أصلو الريد عذاب كيف مــنه بنستريح
باريت الفي الشبرية وسكنت دار الريح
وتالي الذكر هو طيب السيرة والخصال بين التجار محمد طه التجاني تاجر الدمورية والمراكيب فمما يحكي عنه أنه كان إذا ( إستفتح في البيع أولاً ولم يبع من جيرانه أحد فإنه كان يقول لزبونه التالي أمشي إشتري من دكان فلان داااك بضاعته أحسن من بضاعتي ) ويحكي عنه أيضاً أن سمساراً يقال له ود بركات إشتري منه طردا من المراكيب ولم يدفع ثمنه ونسيه في الدكان وذهب لحال سبيله وغاب لفترة إسبوعين فخاف محمد طه إن يضيع الطرد آو يسرق (وهو قد باعه له بالنية) فباع الطرد بسعرٍ أعلي مما باعه لودبركات ووضع له ( فائدته) في الخزنه حتي إذا جاءه ودبركات سلمه لها! !! أي قيمٍ هذه وأي أخلاقٍ تلك.؟
أما الدكاكين الثلاثة الأخيرة في هذا الشارع فهي للنور محمد النور صاحب بضائع مشكّله يليه السيد موسي علي عواض وهو تاجر كبير إرتبط كثيرا بأهل الحلّال خاصةً أم صميمة وماحولها وكان مشهوراً بعمل الطواحين والتجارة العمومية جاء بعده للدكان مبارك موسي علي عواض ثم عوض النورالطيب، أما الدكان الأخير فكان لخال عبدالله الحلبي وعوض الكريم الخال جد أمير كوراك. وقد كانت كل عائلات كوراك من ابوزبد تتخذ من هذا الدكان منزلة لها وكان معهم أيضاً الفنان عصام عمارة وكأني به في ختام هذا الطواف يمسك بيد الجبلابي الآخر الفنان الجميل قاسم بشير بله ويشدوان للأبيض عروس الرمل الخصيبة :
في رباك الصيد لاهي راتع أصلو عاشق تلك المراتع
غنا طيرك في غصونه ساجع بي غُناك يزيل المواجع
في قلوبنا كم ليك مواضع إنتي جنة وطني الكبير
وتبقين في القلب وتبقين كل العشق مدينتي الأبيض
(ناصر قاسم عثمان بريمة)
تعليقات
إرسال تعليق